الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: إنه مجاز عقلي كرجل عدل وفيه نظر، والمبالغة هنا على ما قيل في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجرد السماع، وما قيل: إن مرادهم بكونه عليه الصلاة والسلام أذنا تصديقه بكل ما يسمع من غير فرق بين ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصدق له وبين ما لا يليق به فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة.ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالأذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به وقيل: إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن ولا يخفى أنه مذهب لرونقه، وجوز أن يكون {أَذِنَ} صفة مشبهة من أذن يأذن إذنًا إذا استمع وأنشد الجوهري لقعنب: وعلى هذا هو صفة بمعنى سميع ولا تجوز فيه وما تأذى به النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون ما قالوه في حقه عليه الصلاة والسلام من سائر الأقوال الباطلة فيكون قوله سبحانه: {وَيَقُولُونَ} إلخ غير ما تأذى به.ويحتمل أن يكون نفس قولهم: {هُوَ أُذُنٌ} فيكون عطف تفسير و{يُؤْذُونَ} مضارع آذاه والمشهور في مصدره أذى وأذاة وأذية وجاء أيضًا الإيذاء كما أثبته الراغب وقول صاحب القاموس ولا تقل إيذاء خطأ منه.{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} من قبيل رجل صدق فهو من إضافة الموصوف إلى الصفات للمبالغة في الجودة والصلاح كأنه قيل: نعم هو إذن ولكن نعم الاذن، ويجوز أن تكون الإضافة على معنى في أي هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك، ويدل عليه قراءة حمزة {وَرَحْمَةً} فيما يأتي بالجر عطفًا على خير فإنه لا يحسن وصف الأذن بالرحمة ويحسن أن يقال أذن في الخير والرحمة، وهذا كما قال ابن المنير أبلغ أسلوب في الرد عليهم لأن فيه اطماعًا لهم بالموافقة على مدعاهم ثم كر عليهم بحسم طمعهم وبت أمنيتهم وهو كالقول الموجب.وقرأ نافع {أَذِنَ} بالتخفيف في الموضعين وقرأ {أَذِنَ} بالتنوين فخير صفة له بمعنى خير المشدد أو أفعل تفضيل أو مصدر وصف به للمبالغة أو بالتأويل المشهور، وقوله سبحانه: {يُؤْمِنُ بالله} تفسير لكونه عليه الصلاة والسلام أذن خير لهم، أي يصدق بالله تعالى لما قام عنده من الأدلة والآيات الموجبة لذلك، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين كما أنه خير للعالمين مما لا يخفى {وَيُؤْمنُ للْمُؤْمنينَ} أي يصدقهم لما علم فيهم من الخلوص، والظاهر أن هذا مندرج في حيز التفسير لكن الغالب من المفسرين لم يبينوا وجهه كونه صفة خير للمخاطبين، نعم قال مولانا الشهاب: إن المعنى هو أذن خير يسمع آيات الله تعالى ودلائله فيصدقها ويسمع قول المؤمنين فيسلمه لهم ويصدقهم به، وهو تعريض بأن المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله تعالى ولا ينتفعون بها ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع قولهم إلا شفقة عليهم لا أنه يقبله لعدم تمييزه عليه الصلاة والسلام كما زعموا، وبهذا يصح وجه التفسير فتدبر انتهى، ولا يخفى أن في إرادة هذا المعنى من هذا المقدار من الآية بعدًا، وربما يقال: إن المراد أنه عليه الصلاة والسلام يسمع قول المؤمنين الخلص ويصدقهم ولا يصدق المنافقين وإن سمع قولهم، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين ءما باعتبار أنه قد ينجر إلى إخلاصهم لما أن فيه انحطاط مرتبتهم عن مرتبة المخلصين وإما باعتبار أن تصديقه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين الخلص فيما يقولونه من الحق من متممات تصديقه آيات الله تعالى ولا شك في خيرية ذلك للمخاطبين بل ولغيرهم أيضًا فليفهم.والإيمان في قوله تعالى: {يؤمن بالله} بمعنى الاعتراف والتصديق كما أشرنا إليه ولذا عدى بالباء، وأما في قوله سبحانه: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} فهو بمعنى جعلهم في أمان من التكذيب فاللام فيه مزيدة للتقوية لأنه بذلك المعنى متعد بنفسه كذا قيل، وفيه أن الزيادة لتقوية الفعل المتقدم على معموله قلية.وقال الزمخشري: إنه قصد من الإيمان في الأول التصديق بالله تعالى الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء الذي يتعدى بها الكفر حملًا للنقيض على النقيض، وقصد من الإيمان في الثاني السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدى باللام ألا ترى إلى قوله سبحانه: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين} [يوسف: 17] حيث عدى الإيمان فيه باللام لأنه بمعنى التسليم لهم، وظاهر هذا أن اللام ليست مزيدة للتقوية كما في الأول، وكلام بعضهم يشعر ظاهره بزيادتها، وقوله سبحانه: {وَرَحْمَةً} عطف على {أُذُنُ خَيْرٍ} أي وهو رحمة، وفيه الأخبار بالمصدر والكلام في ذلك معلوم {ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين} أي للذين أظهروا الإيمان حيث يقبله منهم لكن لا تصديقًا لهم في ذلك بل رفقًا بهم وترحمًا عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك أستارهم.وظاهر كلام الخازن أن المراد {مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ} المخلصون وذكر {مّنكُمْ} باعتبار أن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون والحق حمل ذلك على المنافقين وإسناد الإيمان إليهم بصيغة الفعل بعد نسبته إلى المؤمنين المخلصين بصيغة الفاعل المنبئة عن الرسوخ والاستمرار للإيذان بأن إيمانهم أمر حادث ماله من قرار ولعل العدول عن رحمة لكم إلى ما ذكر للإشارة إلى ذلك.وقرأ ابن أبي عبلة {رَحْمَةً} بالنصب على أنه مفعول له لفعل مقدر دل عليه {أُذُنُ خَيْرٍ} أي يأذن لكم ويسمع رحمة وجوز عطفه على آخر مقدر أي تصديقًا لهم ورحمة لكم {والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله} أي بأي نوع من الإيذاء كان وفي صيغة الاستقبال المشعرة بترتب الوعيد على الاستمرار على ما هم عليه إشعار بقبول توبتهم {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي بسبب ذلك كما ينبئ عنه بناء الحكم على الموصول وجملة الموصول وخبره مسوق من قبله عز وجل على نهج الوعيد غير داخل تحت الخطاب وفي تكرير الإسناد بإثبات العذاب الأليم لهم ثم جعل الجملة خبرًا ما لا يخفى من المبالغة وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة مع الإضافة إلى الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه على أن أذيته عليه الصلاة والسلام راجعة إلى جنابه عز وجل موجبة لكمال السخط والغضب منه سبحانه.وذكر بعضهم أن الأيذاء لا يختص بحال حياته صلى الله عليه وسلم بل يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أيضًا وعدوا من ذلك التكلم في أبويه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق وكذا إيذاء أهل بيته رضي الله تعالى عنهم كإيذاء يزيد عليه ما يستحق لهم وليس بالبعيد. اهـ.
|